-A +A
محمد العصيمي
لأنني أعلم أن وزير الثقافة والإعلام الجديد الدكتور عادل الطريفي يقلب الآن الملفات الضخمة والمؤجلة على طاولة الوزارة، أعيد على مسامعه، مع شيء من التحوير والتعديل، ما سبق أن كتبته وخاطبت به وزير الإعلام السابق. الوزير الجديد شاب جدا، وهذا يعطيه فرصة ليكون أنشط من سابقيه في اتخاذ القرار والتعجيل بما ينتظره المثقف والإعلامي في المملكة.
أنا وغيري من المترقبين، ننتظر من الوزير الجديد وأركان الوزارة أن يبنوا استراتيجية ثقافية وإعلامية سعودية تستجيب للمتغيرات الداخلية في المملكة، وتتعامل مع المتغيرات الخارجية التي لا يمكن أن نتجاهلها أو نهون من شأنها. وسبق أن قلت بأننا نعيش مرحلة أمنية وفكرية استثنائية يستعر فيها أوار التطرف والإرهاب الذي لا يستثني، متى قدر على ذلك، أية بقعة جغرافية عربية. كما أننا في المملكة نعيش حالة من التجاذب المجتمعي تجاه قضايا متعددة، من بينها الطائفية والتحريض ومقاومة الوسطية وبقايا أفكار جماعة (الإخوان) وجماعات أخرى تطل برأسها وتحرك لسانها بين الحين والآخر.

الشباب، أيضا، في غالبيتهم تائهون ومضطربون فكريا بسبب طول غياب الممارسة الفاعلة لمؤسسات الثقافة والإعلام. تلك الممارسة التي تعظم من قيمة الانتماء وتحصن اللحمة الوطنية وتكافح كل ما هو ضد ذلك. وكلنا نعرف كيف تخطفت بعض الجماعات ومدارس التكفير والتطرف بعض الشباب، الصغار والكبار، من جراء الغياب شبه الكامل للفعل الثقافي والإعلامي المتطور والمستنير والمؤثر في شبابنا من الجنسين. ومن الطبيعي، في هذا السياق، أن أدعو الوزير الطريفي إلى التمعن في مقترح إنشاء مراكز ثقافية شاملة في المدن كبديل لتشتت الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون.
المرأة وتمكينها العلمي والعملي الذي تدعمه، سابقا والآن، القرارات السياسية الرشيدة لا تكاد تكون موجودة على خارطة الاهتمام الثقافي والإعلامي. وهو وجود يفترض أن يحدث منذ وقت طويل من باب مؤازرة عملية تمكين المرأة ودورها ورفع نسبة مشاركتها في الفعل والمنتج الوطني العام، سواء أكان هذا المنتج فكريا ثقافيا أم اقتصاديا أم مجتمعيا.
وإذا تحدثنا عن ما يمكن أن يعتبر الجانب الإداري لمؤسساتنا الثقافية والإعلامية، فإننا لا نزال نراوح عند تلك (البيروقراطيات) العقيمة التي تحرم مؤسسات الثقافة من التأثير الاجتماعي الصحيح، وتمنع عن مؤسسات الإعلام الرسمية الاحتراف المطلوب الذي يوفر لها، كما هو حال مؤسسات إعلامية معروفة، أسباب جذب الجمهور والتأثير فيه.
الإعلامي السعودي المميز، والوزير يعرف ذلك أكثر مني، يتسرب من قنواتنا التلفزيونية إلى قنوات أخرى تقدره بشكل أفضل على المستويين، المادي والمعنوي. ويوجد الآن إعلاميون سعوديون في بعض دول الخليج اختاروا فسحة الأداء الإعلامي المهني المحترف على ضيق بيروقراطياتنا.
المطلوب، إذا، هو قراءة كبرى للمشهد الإعلامي والثقافي في المملكة، يخرج منها الوزير والوزارة بمحصلة استراتيجية، ثقافية وإعلامية، شاملة تتجاوب مع مرحلة سعودية متغيرة جذريا. وإذا كان يريد رأيي، في الطريق إلى بناء هذه الاستراتيجية، فإنني أقترح، كخطوة أولى، أن يعقد ورشة عمل كبرى يحضرها نخبة من المثقفين والإعلاميين الذين يشاركونه ملاحظاتهم وآراءهم وتوصياتهم من أجل إعانته ــ بعد عون الله ــ على تحقيق فعل ثقافي وإعلامي سعودي، محترف ومؤثر.